المخرج النمساوى يكتشف ظل الصوت فى عرض: بلا ظل

علی درب تجریبی جدید وضع نفسه‌ المخرج النمساوی "شامال أمین"، آملا فی اکتشاف ظل للصوت البشری، بمعنی اکتشاف اللغة الفنیة الأصلیة للصوت، وذلک بعیدا عن الرموز اللغویة التقلیدیة. هذه‌ اللغة غیر الکلامیة الجدیدة تتکون من مقاطع و أصوات و نغمات. ومن الممکن أن تتکون من تعبیرات صوتیة أخری تنبع من ثقافات مختلفة. کل هذا یؤدی الی طریقة جدیدة فی الاتصال و الی تقنیات جدیدة تجریبیة فی الصوت و الغناء مما ینتج عنه‌ عمل مسرحی فرید، و تصبح الأصوات و الأغانی مصدرا للایقاع و للوجود البدنی و للحدث الدرامی


لقد صمم المخرج "شامال أمين" إخراجه لتجربته " بلا ظل " على أساس أن تقدم فى مسرح قاعة حيث يحيط المتفرجون بخشبة المسرح من جميع الجهات ، و من ثم تم تسكين العرض على خشبة مسرح مركز الإبداع بعد أن أعيد ترتيب المقاعد لتحيط بخشبة المسرح.

قبل العرض نلاحظ تحرك بطليه " شامال أمين ، نيگار حسيب "  بين المتفرجين يرحبان بهم و يلقيان عليهم التحية ، و ذلك من أجل إحداث عملية تواصل و تآلف و كسر لإحساس الغربة الذى قد يحدث بين الجنسيتين المصرية و النمساوية ، و لذلك كان المخرج شامال أمين يتحدث الى المتفرجين باللغة العربية حيث يبدو أنه من أصل عربى.


لا يوجد قطع ديكور على خشبة المسرح ، فقط توجد قطع صغيرة من الحجارة البيضاء التى فى حجم قوالب السكر موضوعة على الأرض فى شكل حلقات دائرية ، كما توجد بعض الأطباق الممتلئة بالدقيق.

و يبدأ العرض بجلوس المرأة ( نيگار حسيب ) على الأرض أمام إحدى حلقات قطع الحجارة حيث تعزم بيديها بينما ترتل أحد طقوس السحر بنغمات صوتية متعددة ،  و بخطوط لحنية بوليفونية مختلفة بطبقات المتزو سبرانو  الأقل حدة من السوبرانو ،  و الكنترألطو ، وهو الصوت النسائي القريب للصوت الرجالي ، ثم تنتقل الى ترتيل ظل الكلمات المتمثل فى محاكاة إحساس الكلمات و ليس منطوقها اللفظى ، يصاحبها فى ذلك الرجل ( شامال أمين )  بأصوات من طبقة التينور و الباريتون محدثا تضافرا هرمونيا معها بينما يقوم برش الدقيق على الأرض فى أماكن صغيرة معلومة .. تنتقل المرأة الى منطقة أخرى من المسرح حيث تقوم بتقديم أغانى التعديد الجنائزية الطقسية و هى توزع الأكفان المطوية على الأرض فى انتظار جثث القتلى المفقودين ، بينما الرجل يقوم بتحديد المكان بالدقيق ليصبح مدفنا جماعيا .. تفرد كفنا فى أحد الأركان و تتلو عليه بعض التلاوات .. يقوم الرجل بتعصيب عينيه محاولا استقراء الغيب مستخدما بعض ظلال التراتيل التى يبدعها بصوته .. تقوم المرأة بفرد شريط أبيض على الأرض فوق قطر خشبة المسرح المستطيلة ثم تسير فوقه أثناء غنائها الجنائزى .. يستخدم الرجل الدقيق فى الرسم على الأرض أشكالا لرجال موتى يملأ بهم خشبة المسرح ، بعضهم على يمين الشريط الأبيض ، و البعض الآخر على يسار الشريط حيث يصبح الشريط هو الصراط المستقيم الذى يفصل بين سكان الجنة و النار .. تسير المرأة بين سكان الجنة و النار المرسومين على الأرض.

يمكن لنا أن نقول أن عرض " بلا ظل " استطاع أن يبدع فراغا مسرحيا متدفقا حيث تتحول فيه الأصوات و الأغانى الى مشاعر من الحزن و السرور . فالصوت فى تلك التجربة يشبه الحدث الذى يسمح دائما للإنسان أن يكتشف شيئا جديدا ، و من ثم تصبح هذه اللغة الجديدة غير الكلامية فى عرض " بلا ظل " تميز نفسها عما يطلق عليه بالحوار الدرامى المستخدم فى المسرح التقليدى.

      بقلم : السيد محمد علی
التجریبی؛ نشرة یومیة تصدر بمناسبة مهرجان القاهرة الدولی للمسرح التجریبی العشرین. العدد السادس، 15 اکتوبر 2008