نيكار قرداغي تتحدث إلى الشرق الأوسط

الفنانة الكردية نيكار قرداغي: المسرح العراقي تغلب عليه الشعارات السياسية

تحاول التواصل مع الجيل الجديد من المسرحيين

تتألق الفنانة الكردية الدكتورة نيكار قرداغي في فضاءات أوروبا، ناقلة مع زوجها الفنان والمخرج المسرحي شمال عمر تجربة انفردا بها في تقديم مسرح تجريبي يعتمد على الصوت والحركة دون النص.. وتحاول هذه الفنانة الحاصلة على شهادة الدكتوراه في المسرح من العاصمة النمساوية «فيينا» أن تستعيد وهج الفن المسرحي الكردي حتى وإن كان خارج العراق، بعد أن خسر هذا المسرح جمهوره في الداخل، لأسباب من أهمها غزو الفضائيات ولهاث الجيل الحالي وراء المسلسلات المدبلجة والأفلام التلفزيونية.


وأسست نيكار حسيب قرداغي مع زوجها مختبر لالش عام 1998 في «فيينا» بفعل بحث تجريبي قاما به حول "مفهوم ثقافة الجسد " . عادت نيكار إلى كردستان، حاضرت وعقدت ورشات عمل بأمل التواصل مع الجيل الجديد من الفنانين المسرحيين، على الرغم من اعترافها بالتراجع الكبير للمسرح، معللة أسبابه بالقول «أسباب متعددة تقف وراء تراجع الفن المسرحي العراقي عموما والكردي خصوصا، تعود معظمها إلى أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية لو تحدثنا عنها سيطول بنا الشرح، ولكن هناك فعلا تراجعا ملحوظا يجب أن نعمل جميعا كفنانين وكحكومة لنعيد إحياءه، وأعتقد أن المسؤولية الكبرى تتحملها الحكومة، خصوصا توفير مستلزمات الإنهاض من جديد، فنحن لا نعاني الآن من مشكلة التعبير والحرية، ولكن المشكلة في الأدوات، أضف إليها وجود وسائل أخرى أخذت تزاحم وبشدة الفن المسرحي كغزو الفضائيات والدراما التلفزيونية والسينما وغيرها».
وتقر قرداغي باحتفاظ المسرح لبريقه في السبعينات والثمانينات على الرغم من وجود تلك القنوات المنافسة لها، وتقول «صحيح أن الجيل المسرحي كان له حضوره، ولكن حتى في أوروبا حاليا هناك جمهور مسرحي يزيد ويقل، فلا نستطيع إرغام الفنان المسرحي على الاستمرار من دون أن نخلق له وضعا يشجعه على المواصلة. ولتحدي أسباب تراجع الفن المسرحي بكردستان والعراق يجب أن نشخص مكامن الأزمة، هل هي أزمة كتاب مسرحيين، أم أزمة نصوص، فإذا كانت الأزمة للكاتب، يجب أن نفهم معاناة الكاتب، وأسباب عزوفه عن الكتابة، وإذا كانت الأزمة متعلقة بالنص، نشخصها هل هي في النص المحلي أو النص العالمي، إذا كان أصل المشكلة متعلقا بالكاتب يجب أن نركز الحلول عليه، وإذا كانت الأزمة متعلقة بالمسرح، ديكور أو إضاءة أو موسيقى أو قاعة العروض عندها يجب أن نبحث عن حلول لها، ثم إن الفنان المسرحي لا يتحمل وحده مسؤولية هذا التراجع، الجمهور بدوره يتحمل جزءا من المسؤولية بتصريف اهتمامه إلى الوسائل الأخرى، خصوصا أن هناك غزوا للمسلسلات الأجنبية المدبلجة على حساب الاهتمام بالفن الكردي عموما، وأنا لا أستطيع إرغام المتلقي الكردي في ظل وجود كل هذه المغريات اليومية، على الرغم من أن الفن المسرحي يسمو على جميع الفنون الأخرى».

تعرب الفنانة الكردية عن سعادتها لنشوء جيل مسرحي جديد قائلة «قبل ثماني سنوات حضرت عرضا مسرحيا في السليمانية بكردستان ورأيت المتفرجين جالسين وهم يدخنون ويملأون القاعة بدخانهم، وهذه حالة شاذة وغريبة على التقاليد المسرحية لم نصادفها في الثمانينات، ولكن في زيارتي الحالية سعدت جدا عندما ذهبت إلى نفس القاعة وشاهدت عرضا تجريبيا وكانت غاصة بالمتفرجين المشدوهين بشكل غريب للعرض، لذلك أعتقد بأن تغييرا ما قد حصل، وأن هناك مؤشرات لاستعادة المسرح لبريقه السابق من خلال نشوء جيل مسرحي جديد».

هذه المؤشرات تشجع الفنانة نيكار قرداغي للتفكير بالعودة، ولكنها تتخوف من عدم تعاون مؤسسات الحكومة لانبعاث جديد للمسرح الكردي، وتضع المسؤولية الأكبر على عاتق الحكومة بهذا الشأن،وتقول «المسؤولية ليست فردية وإن كانت هناك طبعا مبادرات فردية، بقدر إمكانياتي كنت أحلم دائما بالعودة إلى كردستان، وأن أحاول مع زملائي الفنانين لاستعادة أمجاد المسرح الكردي، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على مؤسسات الحكومة بدعم هذا التوجه من خلال توفير الإمكانيات، وأنا من خلال الخبرة الأكاديمية أعتقد أن تلك الإمكانيات ليست متوفرة تماما وهناك تقصير من تلك المؤسسات، وأنا لا يمكن أن أعود إلى كردستان وأواجه المشكلات بعدم وجود قاعات العرض أو غيرها من مستلزماتها الأساسية، فأنا لست مسؤولا عن الأمور الإدارية».

ومع الإقبال الدائم من الجمهور المسرحي العراقي والكردي على الأعمال الكوميدية بهدف التنفيس عن همومه، خصوصا في العقود الطويلة التي حكمت الدكتاتورية في العراق، ترى نيكار قرداغي «أن الجمهور حر في اختياره، سواء كان العمل كوميديا أو تجريديا أو كلاسيكيا، فكل من هذه الفنون له جمهوره، وأنا لا يهمني عدد الجمهور الذي يشغل مقاعد القاعة، بقدر ما أريد أن أعبر عن ذاتي وأحلامي وأفكاري، فوظيفة المسرح ليست عندي مجرد كلام أو نص نلقيه على الجمهور، مثلا في مختبر لالش نحن لا نعتمد مطلقا على النص بل على الصوت فقط، أو ميلود أو أغنية تخلق الحالة المسرحية، ومع ذلك هناك جمهور دولي كبير يتابع هذا النوع، أتصور أننا لو قدمنا هذه العروض نفسها هنا في كردستان سيكون لدينا جمهور يستوعب مفاهيمنا هذه».


وتتفاءل بإمكانية خلق هذا الجمهور، وتذكرنا بجمهور عقد الثمانينات قائلة «في الثمانينات عندما خضنا تجربة المسرح التجريبي كان عندنا نص، ولكن كثيرا ما كنا نتجاوز النص، ونخلق داخل القاعة عرضا مسرحيا يعتمد على الحركة والإضاءة أو الموسيقى، وكسرنا بذلك الحاجز الذي يفصل بين الجمهور والمسرح، فلم يكن هناك مكان معين لجلوس الجمهور، ولم يكن هناك موقع محدد فوق الخشبة يركز الضوء على الممثل، وفعلنا ذلك في مسرحية «بانتظار سيامند»، ومع أن التجربة كانت جديدة تماما ولكن وجدنا تجاوبا رائعا من الجمهور، صحيح كان الأمر في البداية صعبا على الهضم، ولكنا بعد ذلك تم قبوله.


السليمانية: شيرزاد شيخاني